كثيراً ما يتساءل الناس عن أسباب هلاك الأمم وزوالها مع تمتعها لحظة الزوال بالقوة والقدرة والجبروت... إن الجواب عن هذا التساؤل شغل المفكرين قديماً وحديثاً وصيغت في أجوبته الكتب والمجلدات، والجواب كان دوماً واحداً، إنها الأخلاق والقيم التي بفقدانها تبدأ الأمة بالتراجع والذوبان.
هذا على صعيد الدول والأمم أما على الصعيد الإجتماعي والفردي، فتلعب الأخلاق والقيم دوراً مهماً في حماية المجتمعات من الجرائم والرذائل كما تؤمن للفرد السعادة النفسية، والفوز في آخرته.
من هنا فإن الإقرار بوجود الأمراض الإجتماعية والأخلاقية داخل المجتمعات يعتبر خطوة أولى على طريق الشفاء من هذه الأمراض التي تشكل خطراً أكبر بكثير مما تشكله الأمراض العضوية لأنها تصيب عقول الناس فتعطلها وعواطفهم فتبلدها، وتكون الخطوة الثانية في السعي والعمل على التغيير وفقاً لقول الله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد:11].
من هذا المنطلق وردت في ذهني فكرة تأليف قاموس للأمراض الإجتماعية المنتشرة في العصر الحالي، ولتوضيح الفكرة أكثر إخترت صفحة من هذا القاموس أنقلها لكم...
ـ التــبرج: خلق سيئ جاء نتيجة الدعوات إلى تحرير المرأة، ومعنى التبرج هو إظهار المرأة زينتها لمن لا يحل لها أن تظهرها له، ولقد كان من أسباب إزدياد هذه الظاهرة تلك الموجة التغريبية الإستهلاكة التي تشيئ المرأة، وتركز على جمالها الخارجي من أجل ترويج السلع والبضائع، وكان من أهم نتئاج هذه النظرة الشيئية للمرأة قيام بعض النسوة بتغيير خلق الله عبر عمليات التجميل، والوشم والنمص وتصغير الأنف وغير ذلك من التصرفات التي تتناغم مع دعوة الشيطان: {وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً*ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله...}.
ـ تبلد الإحساس: هو خلق مذموم قائم على قصر الأهداف في الحياة الدنيا على الأكل والشرب والنوم، أصحاب هذا الخلق قلوبهم ميتة، يخطئون بحق الآخرين ولا يشعرون بالذنب، يشاهدون مآسي ومصائب إخوانهم من المسلمين وكأنهم يشاهدون فيلماً سينمائياً عنيفاً، شعارهم: ما لنا ولهم، هؤلاء بعيدون عنا، هؤلاء في بلد بعيدة متجاهلين مفهوم الأمة الواحدة التي بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ـ التحاسـد: هو خلق مذموم نابع عن الأنانية والرغبة في زوال النعم عن الآخرين، وإن لم يحصل الحاسد على هذه النعم، وينتشر التحاسد بين الأقارب والمعارف، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسد فقال عليه الصلاة والسلام-: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخه فوق ثلاث ليال».
هذا ويكثر التحاسد نتيجة ضعف الإيمان بالقضاء والقدر وتقسيم الأرزاق، والإحساس بالحرمان من الملذات الدنيوية المادية والمعنوية، والتفاوت الطبقي مما يؤجج مشاعر الغيرة والحسد بين الناس.
ـ التشبه بالكفار: هو تقليد الكفار في زيهم ولباسهم وفي نوعية طعامهم وطريقة أكلهم، وإتباعهم في شتى ألوان الحياة وأنماط السلوك والأخلاق، وفي الإعتقاد والتصور والفكر والفلسفة والسياسة والإقتصاد والأدب والفن والثقافة والنظم والتشريع، من غير إعتبار للعقيدة والشريعة الإسلامية والأخلاق الفاضلة، ومن غير إلزام للمنهج الإسلامي الأصيل.
ـ تضييع الوقت: هو الجهل بقيمة الأوقات ومحاسبة الله عز وجل عليها يوم القيامة، ولقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لخطورة تضييع الوقت بقوله: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» فترى الشباب بدلاً من أن يستفيدوا من أوقاتهم بالعلم والعمل والعبادة تجدهم يبحثون عن الطريقة التي يضيعون فيه هذا الوقت ويتخلصون منه، فيتسكعون في الشوارع والطرقات ويمضون الساعات الطوال أمام شاشات التلفزيون وأجهزة الحاسوب غير مدركين أن إستغلال الأوقات بالعلوم والإكتشافات هي التي ساهمت في تقدم الأعداء وتفوقهم.
ـ التطاول على الدين: هي دعوة إلى نسف السنة النبوية الشريفة والتطاول على الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، والإستهزاء بالعلماء والمشايخ، ومعاونة الأعداء في الدس والإفتراء على الإسلام، وأكثر من يقوم بهذا الفعل هم الكتّاب والأدباء الذين يستترون بستار الإبداع والحداثة وحرية التعبير كي يتهجموا على المقدسات الإسلامية ويهدموا قلاع الحياء والعفة، متناسين قول الله عز وجل: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً*والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً عظيماً}.
ـ التغريب: هي دعوة إلى تذويب الشخصية الإسلامية في الشخصية الغربية حتى لا ترى إلا بالمنظور الغربي، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من الإسلام، وقد بدأت هذه الدعوة إثر الحملات العسكرية على بلاد المسلمين، ثم تطورت مع الوقت حتى باتت تعرف اليوم بالعولمة الثقافية التي تهدف إلى إقتفاء أثر الثقافة الغربية في كل الميادين، في العلم والفكر والسياسة وفي العادات والتقاليد والقيم.
ـ تقبل المنكر: هو فعل ناتج عن التآلف مع المنكرات والتعايش معها، ومن هذه المنكرات: الفواحش، الرشوة، السرقة، العقوق، الكذب، قطع الأرحام، الخيانة، الغش والغدر، وما إلى ذلك من المعاصي التي تُقبل في بعض المجتمعات الإسلامية تحت حجج واهية مثل تيسير الأمور والحرية الشخصية، والعجز وغيرها من الحجج التي يستترون خلفها متناسين تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من مغبة السكوت عن المعاصي، قال عليه الصلاة والسلام: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا».
ـ التكبر: هو خلق ممزوج بالإستهزاء بالغير والإعتقاد بالأفضلية، وبحب الظهور والرياء والسمعة على حساب الآخرين، وأسباب هذا الفعل عديدة منها إمتلاك المال والقوة والعلم، أما مظاهره فعديدة أيضاً منها سوء المعاملة وعدم مخالطة الناس والتعالي عليهم، وعدم مشاركتهم همومهم ومصائبهم، أما نتائجه فالهوان والذل والسقوط بين الناس في الدنيا والخلود في النار في الآخرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر».
ـ التملق: هو فعل قائم على إظهار مشاعر الحب والتودد والتقدير بشكل منافي لما في القلب، وأبرز صور هذا المرض تظهر لدى ذوي الوجاهة والسلطان إرضاء لهم أو طمعاً بما في أيديهم، أما الدافع النفسي وراءه فهو الخوف والطمع.
والتملق مرض نفسى وإجتماعى ينتشر بين الناس كالوباء فى عصور الإنحطاط وهى العصور التى يبتعدون فيها عن دينهم ويضعف إعتزازهم به وذلك لأنه يضعف إيمانهم بالله فيضعف خوفهم منه ورجاؤهم فيه فى حين يقوى إيمانهم بالحياة الدنيا ويشتد حرصهم عليها ومن ثم تزداد أهمية الناس عندهم فيزداد الخوف منهم والطمع فيما بأيديهم ولاسيما المال والجاه.
ـ التهاون بأمور الدين: هو تصرف ناتج عن الجهل وعدم الإدراك للعواقب، فمن تهاون بالعبادات من صلاة وزكاة وحج وصيام وعقوق للوالدين إلى تهاون بالقيم والأخلاق من قطع للرحم وإساءة للجوار والغش والكذب وأخذ أموال الناس بالباطل، وتهاون بصغائر الذنوب التي تتحول مع الإصرار إلى كبائر، وأيضاً تهاون بالوقت وتهاون بالكلمة وما إلى ذلك من أمور يقوم بها بعض الناس نتيجة إغترارهم بالله عز وجل وتسويفهم للتوبة، متناسين بذلك عظمة الخالق وشدة عقابه وكأنهم لم يقرءوا قول الله عز وجل: {ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب}.
الكاتب: د. نهى عدنان قاطرجي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.